Skip to content Skip to footer

التبرّع بالأعضاء: مينا تلد لينا مرتين

ناضلت لينا من أجل ترسيخ ثقافة التبرّع بالأعضاء الذي يحتفل به العالم سنويّا كلّ يوم 17 أكتوبر، وحرصت على إدراج عبارة “متبرّع” على بطاقة تعريفها الوطنية. أصيبت لينا بفَشَل كلوي سنة 2005 في سنة تخرّجها من كلّية 09 أفريل تخصّص لغة انغليزيّة. كانت في البداية تخضع إلى تصفية الدّم في المستشفى ثمّ انتقلت إلى الغسيل الّصِفاقي  الّذي يمكن أن تقوم به في البيت دون الحاجة إلى التنقل إلى مراكز التصفية، وتستغرق هذه العمليّة من ثماني إلى عشر ساعات يوميًّا، ممّا جعل لينا تشعر وكأنّها في سجن، إلى أن تبرّعت لها والدتها، آمنة بن غربال، (مينا) بكليتها لتشعر وكأنّها وُلدت من جديد، ولتتذكّر دائمًا فضل والدتها، إذ تقول دائما إنّها بفضلها وُلدت مرّتَين.

“أنا كيما كلّ عام نحبّ نقول و نعاود نقول الّي انا 12 سنة لتالي خذيت أكبر و أغلى هديّة ينجّم ياخذها انسان في حياتو . انا نهار 14 فيفري 2007عاودت تولدت من جديد. أمّي عاودت رجّعتني للدنيا مرّة أخرى بعد ما الحياة ولاّت حبس كبير وفقدت طعمها”

“وصلت نروّح لتونس على 12 ساعة باش نشمّ هواها برك بين محاضرة ومحاضرة في بلد أجنبي ووقت الثورة خرجت وشميت الغاز ولقيت روحي قدام الكرطوش والبدن الضعيف التاعب قاوم خاطر الحبّ والعزيمة غلبوا … 12 سنة حبّيت فيهم وعرفت برشة ناس جدد وقدّمت وعملت رياضة وربحت جوائز وميداليات عالمية وكتبت وعبّرت وقرّيت الطلبة مدة 5 سنين وخدمت برشة خدم أخرين واستقلّيت بالسكنى وتحمّلت مسؤولية دار لليوم قايمة بيها وحدي

شاركت لينا في عديد المسابقات المُخصّصة للمنتفعين بالتبرع بالأعضاء حيث تحصّلت في 2007 على الميدالية الفضية في رياضة المشي في البطولة العالمية للمنتفعين بزرع الأعضاء بتايلندا، وفي 2008 فازت بالميدالية الفضية في رياضة المشي في بطولة المغرب العربي والشرق الأوسط بليبيا والميدالية الذهبية في المارطون في بطولة المغرب العربي والشرق الاوسط بليبيا، كما تحصّلت على الميدالية الفضية في 2009 في البطولة العالمية للمنتفعين بزرع الأعضاء بأستراليا في 2009، وظلّت دائمًا تُذكّر بفضل زرع الأعضاء على إحياء الآخرين، وتسعى عبر التدوين المستمرّ وتقاسم تجربتها في صفحتها على فايسبوك إلى ترسيخ هذه الثقافة لدى غيرها.

 

كانت لينا حاضرة في لحظات المقاومة الحاسمة ضد كافة أشكال القمع

النضال الرقمي

تقول لينا في إحدى المقابلات الصحفية إنّها اكتشفت التدوين في مقال قرأته في إحدى المجلات، وأطلقت مدوّنتها الخاصّة في 2007. أوّل مدوّنة جماعيّة شاركت فيها كانت في 2008، وتحمل اسم “من أجل قفصة” تزامُنًا مع أحداث الحوض المنجمي، واستطاعت من خلالها مشاركة التطوّرات الحاصلة وإبراز الانتهاكات، ثمّ شاركت في مدوّنة ضدّ الحجب في تونس، تزامُنًا مع فرض رقابة على المواقع والمدوّنات وحجب عدد منها. تعرّضت لينا إلى اعتداء بوليسي في أفريل 2008 حيث اقتحمت الشرطة بيتها وبعثرت أغراضها وأخذت حاسوبها وآلات التصوير التي كانت تستخدمها. 

راسلت لينا محمد صخر الماطري صهر الرئيس وعضو برلمانه في إطار حملة لمنع حجب المواقع وضمان حرية الانترنات، في إطار تحميل النواب مسؤولياتهم في الدفاع عن الحريات العامة، ومطالبتهم بطرح مشكل الحجب في مجلس النواب، وذلك أيّامًا بعد حملة “نهار على عمّار”. 

نهار على عمّار هي حملة خاضها عدد من الناشطين والناشطات في المدوّنات الرقمية التي طالها التضييق والحجب، في أفريل 2010، كانت مصحوبةً بتحرّك ميداني سلمي شارك فيه أصحاب وصاحبات المدوّنات والنشطاء في الفضاء السيبرني مثل لينا بن مهنّي وهناء الطرابلسي وعزيز عمامي وسليم عمامو وشهاب نصر وسفيان الشورابي وأمنة بن جمعة وهيثم المكي وغيرهم. نظرًا لضيق مجال الحريات وأُطر التعبيرات السياسية في ذلك الوقت، كان مُجرّد ارتداء ملابس بيضاء وحمل لافتات ضد الحجب خطوة جريئة في ظلّ نظام بوليسي يقمع الحريات، وكانت تُطلق على هذه التحرّكات الميدانية الخاطفة “الفلاشموب”. في أوت من نفس السنة، توجّهت لينا ورفاقها ورفيقاتها من المدوّنين إلى منطقة سيدي بوسعيد في الضاحية الشمالية بالعاصمة للفت الأنظار حول الحجب، ولكنّ قوات الشرطة بالزي المدني تصدّت لهذا التحرّك ومنعت النشطاء حتّى من الجلوس في المقهى وأجبرتهم على العودة إلى وسط العاصمة.

صحافة المواطنة

في 17 ديسمبر 2010، أقدم محمّد البوعزيزي البائع المتجوّل على إشعال النار في جسده وسط تعتيم إعلامي وظرف سياسي خانق. استعانت لينا بصديقتها المحامية ليلى بن دبّة التي كانت تتّصل بالمحامين هناك في سيدي بوزيد لتتزوّد بالمعلومات حول ردود الأفعال هناك، ثمّ وضعت أوّل تدوينة لها على الوضع المحتقن وكتبت على صفحتها الخاصة على فايسبوك “سيدي بوزيد تحترق” باللغات الثلاث، ثمّ بدأت وسائل الإعلام الدولية مثل فرانس 24 والجزيرة الناطقة باللغة الانجليزية ومواقع الكترونية أخرى تتصل بلينا لاستيضاح حقيقة الأوضاع القائمة في سيدي بوزيد.

في 25 ديسمبر 2010، شاركت لينا في أول مظاهرة مساندة لسيدي بوزيد، ولم تكتفِ فقط برفع الشعارات وإنّما التقطت صورًا وسجّلت فيديوهات ودوّنت ووثّقت، وصار هذا دأبها مع كلّ حراك احتجاجي قُبيل الثورة وبعدها. تحوّلت بمفردها إلى سيدي بوزيد وصوّرت ونشرت على صفحتها، وشاركت أيضًا في كلّ التحركات التي قادها المُحامون في العاصمة، وفي 08 جانفي شاركت في المظاهرة التي انتظمت في ساحة محمّد علي ثمّ رافقت مجموعة من الصحافيين الأجانب الّذين تحصّلوا على ترخيص لتغطية الاحتجاجات في سيدي بوزيد، لمساعدتهم على فهم الأحداث وترجمتها، وكانت تلك فرصة مناسبة لنقل الأحداث عبر صفحتها الخاصة على فايسبوك، إذ وثّقت لينا الاحتجاجات في سيدي بوزيد والرقاب، واعتصمت مع شباب الثورة في ساحة الحكومة بالقصبة على أمل أن تكتمل أهداف الثورة، وتقاسمت معهم الأحلام لمستقبل أفضل لتونس وشبابها، تمامًا مثلما فعل والدها الصادق عندما كان يجتمع مع رفاقه حول مؤونة السجن وفي مسامراتهم بعد خروجه منه. وثّقت وجَع الأمّ التي فقدت ابنها نزار قُبيل رحيل رأس النظام، والتي حرصت على إيصال صورتها عبر كاميرا لينا.

 “ليلة 9 جانفي 2011 أرهقتني دموع والدة الشهيد نزار السليمي وهي تطلب مني أن أصوّر جثمان ابنها الذي مزّقه الرصاص ليرى العالم وحشية نظام الدكتاتور” تدوينة للينا بن مهني بتاريخ 26 جانفي 2017

9 جانفي تاريخ لن يمحى من ذاكرتي

9 جانفي الرقاب و ما قدّمته من شهداء

كان الطقس باردا يومها وكانت سيدي بوزيد برجال الأمن أو رجال الطاغية سوداء

وكانت الرقاب تزفّ الشهداء, سنين مرّت وشوّشت الذاكرة

لكنّ شذرات بقت راسخة , طريق فلاحية غير معبّدة

مستشفى … سيّارات اسعاف … مجموعة من. الشبّان.. طبيب.. وأمّ نائحة

مدوّنة باكية وراجفة تعجز على الضغط على زرّ آلة التصوير لنقل الفاجعة

والأمّ للتوثيق طالبة … مشجّعة خلف الدموع السائلة… روائح الغاز المسيل للدموع الخانقة وأعمدة الدخان الصاعدة

بعد سقوط النظام، ظلت لينا حاضرة في التحركات الاحتجاجية ووثقت بالصوت والصورة ما يجري في الجهات المنتفضة. كانت تُساند مساندةً لا مشروطة قضيّة جرحى الثورة، ولا تنفكّ تطالب بنشر القائمة النهائية للشهداء والجرحى، ولا تفوّت فرصة للحديث عن عائلات الشهداء وعن تضحياتهم وصبرهم. ظلّت لآخر أيام حياتها وفيّة لناضلات الشهداء والجرحى، حتّى أنّها تحوّلت إلى مدينة الفحص الواقعة على بعد حوالي ستّين كيلومترا من العاصمة رغم وضعها الصحّي الحرج لتحضر جنازة جريح الثورة طارق الدزيري يوم 19 جانفي 2020، قبل رحيلها بثمانية أيّام، وكتبت على صفحتها “بنيّة تونسيّة”: أشعر بالاحتقار تجاه كلّ من أوصلهم شهداء الثورة وجرحاها إلى الكراسي فتنكّروا لهم وللثورة

الأبطال هاذم: عائلات الشهداء ومعاهم جرحى الثورة ما نراهمش ديمة أمّا وقت الجدّ نتلاقاو. توة قداش من عام كل 14 جانفي نعديوهم نحتجوا مع بعضنا. الناس هاذي ما سلمتش البارح وما سلمتش اليوم ومش باش تسلم البارح. نتلاقاو ما نحكيوش برشة امّا العينين تتكلّم. أنا كي نراهم تتلخبط الأحاسيس من شيرة نفرح اللي هوما ما سلّموش ومن شيرة نحس بالقهر وزادة بالحشمة خاطر معملناش معاهم أبسط الواجبات. 8 سنين بعد ما مشى بن علي ما عنّاش قايمة رسمية لشهداء الثورة وجرحاها وهاذي فضيحة وعار إذا الناس اللي ضحات ما لقاتش حقها ما تتصوّروش ناس اخرى باش تلقى حقوقها

الناس هاذم شخصيا ولّيت نحسهم عايلتي حتى وإن اختلفنا في برشة حاجات وعلى برشة قضايا وشخصيا نهار 14 جانفي بالنسبة ليا هو يوم اللقاء بالأبطال هاذم.”، تدوينة للينا بن مهنّي بتاريخ 14 جانفي 2019

ليلة 13 جانفي 2011، شعُرت لينا بالاستياء من احتمال تراجع الغضب الشعبي مع الوعود التي قدّمها الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي بعد خطابه الأخير، حين تعهّد بضمان حريّة الأنترنات، خصوصا بعد أن خرج أنصار النظام السابق إلى الشارع بالهتاف والتصفيق وإطلاق منبّهات السيارات احتفاءً بقرارات الرئيس، الّذي تعهّد بإعادة فتح المواقع التي تمّ حجبها مثل يوتيوب ودايلي موشن. جاء ذلك الخطاب إثر الإضراب العام بصفاقس يوم 12 جانفي، وتتالت التحرّكات بعد ذلك إلى أن أعلن عدد من المواطنين العصيان المدني يوم 14 جانفي وتوجّهوا إلى شارع الحبيب بورقيبة رافعين شعارات غاضبة أمام مقر وزارة الداخلية، في خطوة غير مسبوقة في مواجهة نظام بوليسي 

اعتادت لينا أن تعدّ كعكة كلّ يوم 14 جانفي، مهما كان الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تكتب عليها “ثورة مستمرة”، وكانت دائمًا تردّد عبارة “ثورة البرويطة (العربة المتنقلة) تمثّلني”، في إحالة على عربة محمد البوعزيزي، البائع المتجوّل الّذي أحرق نفسه، ذات 17 ديسمبر 2010.

شغف بالكتابة كأداة للتحرر والنضال

لينا كانت ماكينة كتابة وتدوين لا تتوقف حتى تحت وطأة المرض. في ليلة رحيلها، كتبت بمرارةٍ تزلزل الضمير: “نحن شعب لا يتعظ من ماضيه، ولا يحفظ دروس التاريخ… كأننا شعب قصير الذاكرة، بل دعوني أقول: معدوم الذاكرة!”. كانت الكتابةُ لها سلاحاً وجودياً، متنفّساً للظلم الذي عانت منه ولمعاناة كل المظلومين الذين دافعت عنهم بصوتها الصادق.

لم تكن تدوّناتها مجرد سجلات سياسية، بل كانت نابضةً بالحياة، تذوب فيها الشخصي بالسياسي في بوتقةٍ واحدة. جعلت من عواطفها وهزائمها وقوداً للنضال، فكتبت بصراحةٍ نادرة عن خيبات القلب، وعلاقات الصداقة، وكفاحها كامرأةٍ في مجتمعٍ ذكوري، وكمواطنةٍ في وطنٍ يترنّح تحت وطأة الثورة والانتكاسة. لم تخجل من اعترافاتها بالعجز أمام آلة القمع، ولا من غضبها وحزنها بعد كل هزيمة، فجسّدت بذلك روح المقاومة الهشّة التي لا تنكسر.

حتى مرضها – الذئبة الحمراء – حوّلته إلى ساحة نضال جديدة، فوثّقته بقلمها كاشفةً عن معاناة المرضى، داعيةً إلى التوعية والحقوق الصحية. لم تكن لينا مجرّد صوت، بل كانت مرآةً لعصرها، سفراً مفتوحاً كتبته بدم القلب، فصار قدوةً للنساء والشباب الذين رأوا في نصوصها درساً يومياً في الصمود: “أن يُكتب الألم يعني أن يُهزَم، وأن تُروى التجربة يعني أن تُخلّد”.

ومن هذه التجربة الفريدة جاءت فكرة إنشاء المدرسة النسوية لينا بن مهني والتي أسستها صديق لينا، هندة الشناوي، بمساعدة ودعم والد لينا، الصادق بن مهني. وكانت فكرة المدرسة في الأصل، حلم تقاسمته المناضلتين منذ سنوات وهو إنشاء جامعة شعبية للشباب والنساء والحركات الاجتماعية.

لينا والحراك السياسي والاجتماعي

كانت لينا حقوقية، نسوية، يسارية تؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها وتضع الحق الفلسطيني في صدارة المطالب الحقوقية التي تدافع عنها. وقد كانت تنتقد وبشدة ازدواجية الخطاب الحقوقي الأبيض أو الأوروبي وتؤمن بأن التحرر يولد من رحم الحركات الاجتماعية التقدمية وبأن لا حرية تعبير ولا حقوق مدنية تنفع إذا غابت العدالة الاجتماعية بكل معانيها الاقتصادية والاجتماعية والجندرية. 

وقد ساهمت لينا في تنظيم العديد من المسيرات والتحركات والحركات …. 

رغم تدهور حالتها الصحّية، إلا أنّ لينا لم تتوقف عن النزول إلى الشارع والتعبير عن مواقفها الراسخة في محاربة الإفلات من العقاب، مثل مشاركتها في حراك مانيش مسامح ضدّ قانون المصالحة في نسختيه الأولى والثانية، المتعلّقتين تباعا بالعفو عن الجرائم الاقتصادية والإدارية، وتنقّلها للجهات للتعبير عن دعمها لهذه الحركة الشبابية، بالإضافة إلى مشاركتها في حراك “حاسبهم” الرافض لمشروع القانون المتعلق بزجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح. كما شاركت لينا في التحرّكات التي انتظمت بعد وفاة شهيد الملاعب عمر العبيدي وحضرت جلسات المكافحة مع قوات الشرطة المتورّطة في قتل الشاب. 

العنف البوليسي والتهديد بالقتل

https://www.youtube.com/watch?v=nlD1VgJG270&embeds_referring_euri=https%3A%2F%2Fnawaat.org%2F&source_ve_path=OTY3MTQ

نشرت لينا في ذكرى أحداث 09 أفريل صورة على صفحتها تعود إلى سنة 2012، ظهرت فيها منهكة القوى بعد تعرّضها للغاز المُسيل للدّموع وكتبت: “الذكرى اللي خلاني علي العريض نتذكرها كل 09 أفريل”. حيث منعت وزارة الداخلية في ذلك الوقت التظاهر بشارع الحبيب بورقيبة الّذي يحمل رمزية الغضب الشعبي وسقوط الدّكتاتورية، إلا أنّ ذلك لم يمنع المتظاهرين من النزول والتعبير عن غضبهم واستيائهم من قرارات السلطة. كتبت لينا عن ذلك اليوم: 

ذات 9 أفريل 2012 خرجنا لإحياء ذكرى شهداء الوطن و للتظاهر سلميا بعد أن قرّر وزير الداخلية حينها منع التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة . و تعرّضنا الى الشتم و الضرب و مختلف أنواع الاعتداءات غازا وعصيا و”مشطة ” وتحرّش جنسيّ وكلّ هذا في شارع محمد الخامس . كنّا حاملين الورود و الاعلام و لا غير فقوبلنا بترحاب كبير من الأمن الجمهوري جدّا . كنت في الصف الأول للمسيرة رفقة والدي و صديق لي و الاستاذة راضية النصراوي و السيد حمة الهمامي ومجموعة من مناضلي حزبه فما راعنا الاّ بدء هجوم علينا و بداية تفريقنا بالغازات … ابعدوني عن والدي الذي حاول حمايتي لما تعرّف عليّ احد الامنيين و تحرّش بي ثم انهال عليّ ضربا…

تعرّضت لينا أيضا إلى اعتداء بوليسي في جربة، في 30 أوت 2014 . كانت لينا في ذلك الوقت تخضع إلى مرافقة أمنية لصيقة نظرًا لتهديدها بالقتل في أكثر من مناسبة، وتوجّهت رفقة العون المكلّف بمرافقتها إلى منطقة الأمن بجربة حومة السّوق لينسّق مع زملائه بالمنطقة وبقاعة العمليات، وركن السيارة أمام المنطقة. طلب منها أعوان الشرطة نقل سيارتها إلى مكان آخر ولكنّها شرحت لهم أنّها تخضع لمرافقة أمنية ولا يمكنها أن تنتقل إلى مكان آخر. دوّن والدها الصادق بن مهنّي حيثيات هذه الحادثة وكتب: “عندها بدأ الحارس يسخر من لينا ويتساءل من تكون حتّى تخصّص لها حراسة و من تكون حتّى تتعرّض للتهديد و أخذ ينعتها بنعوت لا أخلاقية وعمل على إجبارها على أن تغادر فرفضت فصفعها على وجهها. والتحق بهم عونان آخران شاركاه في ضربها و جرّها إلى الدّاخل”. تمسّكت لينا ووالدها بتتبّع الأعوان الّذين مارسوا عليها العنف، رغم تكرّر اعتذارات رئيس المنطقة باسمه الشخصي وباسم الأعوان المتورّطين في العنف. وتحوّلت لينا من شاكية إلى متّهمة بهضم جانب موظّف عمومي، وتمّ استدعاؤها للمثول أمام التحقيق بالمحكمة الابتدائية بمدنين في 19 سبتمبر 2016، لكنّ هذه التهمة سقطت وأُغلق الملفّ نهائيًّا في ديسمبر 2017. وفي المقابل، تمّ اتّخاذ قرار بحفظ إجراءات التتبع مؤقتا لعدم وجود متهم فيما يخصّ الشكاية التي وجّهتها ضدّ أعوان الشرطة الّذين اعتدوا عليها لفظيّا ومادّيا. ومازالت القضية أمام أنظار المحكمة الابتدائية بمدنين إلي اليوم.

وينو الدّواء؟

بدأت صحّة لينا تتدهور في أفريل 2018 وقضت شهرًا في المستشفى لتخضع للمراقبة الصحية الدائمة، بسبب تعطّل عمل الكلية المزروعة. هناك في المستشفى اطّلعت لينا عن كثب على وضعية الصحة العمومية في تونس ولاحظت تردّي الخدمات والبنى التحتيّة، وخاصّة غياب الأدوية سواءً في الصيدليات التابعة للمستشفيات أو الصيدليات الخاصة. ومن هُنا أتت فكرة إحداث صفحة اسمها “وينو الدواء” لمساعدة الأشخاص غير القادرين على تحمّل أعباء التداوي وكبار السنّ ومن يعانون أمراضًا مزمنة في الحصول على أدوية، وربط الصلة بين من يمكنهم التبرّع بالأدوية والمنتفعين بها، وأيضًا لممارسة نوع من الضغط على وزارة الصحة للتحمّل مسؤوليّاتها في توفير الأدوية لمستحقيها، حتّى تكون فرص الجميع متكافئة في النّفاذ إلى الدواء والعلاج. تتلقّى الصفحة نداءات ورسائل ووصفات طبيّة تحاول تأمينها وفقًا للإمكانيات المُتاحة، مع تمام الإدراك بأنّ عديد المرضى ليست لهم إمكانية النفاذ أصلا إلى الفايسبوك. 

آخر معركة للينا مع المرض 

بدأت صحّة لينا تتدهور قبل وفاتها بأشهر، وتلفت كليتها التي منحتها إيّاها والدتها قبل ثلاثة عشر سنة. كانت صديقاتها وعائلتها على علم بذلك ولكنّ لينا واصلت حياتها بشكل طبيعيّ ولم تركن يومًا إلى الراحة ولم تستسلم للمرض الذي فرض عليها أن تلازم السرير. علمت صديقاتها المقرّبات بأنّ تحاليلها الأخيرة لا تُبشّر بخير، فقرّرن مفاجأتها بتنظيم جَمْعة ضمّت رفاقها وعائلتها والمحيط المُقرَّب منها واجتمعوا بمقرّ الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بشارع الحبيب بورقيبة، يوم 19 جانفي 2020، حتّى تستعيد لينا ذكريات الثورة والحراك الاجتماعي الّذي انتعش في ذلك المكان، وتستشعر بأنّها ليست وحدها في خوضها معركتها الأخيرة ضدّ المرض.

رفضت لينا قطعيًّا أن تُمنح لها امتيازات تُمكّنها من التداوي في الخارج والحصول على كلية بدل كليتها التالفة. ظلّت لآخر ليلة متمسّكة بموقفها وتكرّر دائما “أنا لست أفضل من غيري”، لأنّها ظلّت تناضل طيلة حياتها من أجل الحقّ في الصحة العموميّة والانتفاع بالتداوي.

مكتبة في كلّ حبس

أطلقت لينا في 01 نوفمبر 2016 حملة توزيع كتب في السجون بكل من منوبة والمرناقية وبرج العامري وإصلاحية الفتيات بالمغيرة، ودعت وسائل الإعلام لحضور الحدث وتغطيته، بعد جهد كبير بذلته في تجميع الكتب والتنسيق مع إدارة السجون عبر منظمات غير حكومية من أجل تسهيل نفاذ الثقافة إلى الأماكن السالبة للحرية. 

استطاعت لينا ووالدها جمع 45000 كتاب لفائدة السجون ومراكز الاحتجاز والإصلاحيات بكامل البلاد وسعت بكلّ الوسائل إلى التعريف بهذا المشروع ولا تُخفي ابتهاجها بهذه الرسالة النبيلة التي سعت مع والدها لترسيخها. وكانت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب راعية لهذه الفكرة وتساعد في توزيع الكتب في مكتبات السجون وتبويبها وتوزيعها، وكانت الحملة منتشرة في الجامعات والتظاهرات والمحافل الثقافية مثل معرض تونس الدولي للكتاب. كما حرصت لينا على تأثيث مكتبات المدارس بالمناطق المُهمَّشة، وأطلقت حملة لجمع كتب لفائدة مدرسة السلاطنية بمغيلة.

يقول والدها الصادق بن مهنّي إنّها حرصت على تأمين الكتب في السجون وتعهّدت بالتبرع بمكتبتها الخاصّة من أجل هذا الهدف النبيل، كخطوة أولى في دعم القراءة والثقافة. 

“تتواصل حملة جمع الكتب لفائدة مكتبات السجون التونسية و قريبا سنعلن عن تسليم دفعة أولى من الكتب التي جمعناها للإدارة العامة للسجون و الإصلاح بعد أن اجتمعنا بمديرها العام الأسبوع الفارط . جمعنا عددا محترما من الكتب و لكننا مازلنا نتتطلّع الى جمع عدد أكبر حتى نتمكّن من تغطية حاجيات جميع السجون والإصلاحيات من الكتب . كما قلت سابقا أنا سعيدة جدّا بما حقّقناه حدّ اليوم و ذلك بفضل مجهودات وكرم عدد كبير من التونسيات والتونسيين من الذين يؤمنون بالإنسان وحقوقه من جهة وبأهمية الكتب و القراءة و الثقافة في مقاومة التطرّف والفكر الظلامي و الإرهاب. أشكركم جميعا و أقول مجددا أن ّ الحملة لازالت متواصلة “. تدوينة بتاريخ 28 مارس 2016

بعد رحيل لينا، تواصلت الحملة وتكثّفت بمعان عميقة حتّى تظلّ روح لينا مُشعّة في كلّ الأمكنة والفضاءات، حتّى أنّ صديقاتها وأصدقاءها اقترحوا فكرة تجميع الكتب يوم رحيل لينا. واصلت والدة لينا العمل على جمع الكتب وتوزيعها ونجحت في بعث العشرات من المكتبات في جميع أنحاء البلاد. كما نجحت الحملة في إرسال كتب للمساجين العرب في ايطاليا بمساعدة جمعية ايطالية.

بعد 25 جويلية 2022 أغلقت أبواب السجون مجددا أمام الجمعيات والمنظمات والمناضلين الذين خلقوا قنوات تواصل للثقافة والفن داخل أسوار السجن كما كان دأب الصادق بن مهني، السجين السياسي السابق ومؤسس أمنستي في تونس. ولم يعد مسموحا التبرع بالكتب ولا تنظيم الورشات والعروض الفنية.

لينا صديقة الحيوانات والطبيعة

خاضت لينا إلى جانب نضالها الحقوقي معارك من أجل احترام حقّ الحياة خصوصا لفائدة الحيوانات، بوصفها كائنات مستضعفة، وندّدت بقتل الكلاب السائبة ومعاداة الحيوانات بشكل عامّ. كانت تحبّ قططها وكلابها كثيرًا وتكتب عنها وتنشر صورًا لها. ندّدت بقتل الكلاب السائبة، وبكت من أجل القط الذي مات بين يديهاونظمت لينا بصحبة أصدقاء لها حملات توعية وتبرع لفائدة الجمعيات البيئية وتلك التي تساعد الحيوانات علي النجاة من العنف والقتل والتشريد. كما نظمت العديد من حملات النظافة في شط الزهرة، مسقط رأسها. وقد قضت لينا أغلب سنوات حياتها نباتية، ترفض أكل اللحوم من منطلق نضالي وفكري. 

المزيد للاستكشاف

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا