صورتك بين جدران الزنزانة المظلمة الحزينة لا تفارق مخيّلتي.
كيف تقضّي أيّامك؟ وهل تطول لياليك كما هو الحال بالنسبة لي؟
أكره الشاطئ هنا , فهناك بدأنا في ليلة صفت سماؤها و استدار قمرها , أكره حديقة هذا المنزل فهناك تماهت روحانا في رقصة جميلة أبديّة و هناك أيضا عرفت ضمير ذاك الفتى الهادئ فقد كنّا جميعا في حالة نشوة قصوى بعد أن استمتعنا ليلة كاملة بصوت امال و مداعبتها لأوتار القيتارة .
كنّا ضاجّين هائجين مائجين و كان هادئا فكيف يتهمّ بما اتّهم به؟
أكره شارع الحبيب بورقيبة و مسرحه البلدي فلطالما جلست على درجاته أنتظرك أو جلسنا معا في انتظار أحد رفاقك.
أكره مقاهي ذلك الشارع المزدحمة حيث يختلط الحابل بالنابل و يجالس المثقّف الجاهل , و المعارض الرقيب ,و الشيخ الصبي, و العاهرات رجال الشرطة . أكره مقهى ” لونيفار” كما اختار صاحبه أن يكتب على واجهة محلّه لسبب أو لاخر ففيه جلسنا الساعات الطوال و لكنّني لا أستطيع أن أتوقّف عن الجلوس فيه و كأنّني أتلذّذ تعذيب نفسي بذكرياتنا هنا لست بسادية و لكنّني أبحث عنك هناك في ركن المفهى أو بين صفحات كتاب …
أكره الطريق إلى الجامعة فلقد سلكناه معا مرّات عدّة , فكيف لي أن أسلكه و رفيقي الوحيد بقايا ذكريات ؟ اخر مرّة قطعناه صباحا بعد احتساء فهوة في ” لونيفار” يومها بادرنا الشرطيّ المرابض قرب الوزارة الأولى بالتحيّة ببشاشة , استغربت أنا ووقفت مشدوهة و رددت أنت التحيّة مبتسما .
أكره المطاعم المتلاصقة في شارع القاهرة فأنت تصرّ على الأكل فيها لما تقدّمه من مأكولات صفاقسية ربّما بحثا عن طعم أطباق أمّك التي أصرّ الزمن أن يبعدك عنها و تشبّثا بجذورك و حنينا للذكريات.
أكره محطّة برشلونة حيث تقابلنا و افترقنا مرّات عديدة أو انتظرنا القطار للذهاب إلى الضاحية الجنوبية بعد سهرة رمضانية في حفل ثقافي.
أكره كلّ قطرة خمر أحتسيها فكلّما فعلت ذلك قادتني أفكاري إلى زنزانتك حيث تقبع وحيدا أو مع اخرين بين الجدران الباردة .